الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد
.تفسير الآية رقم (137): {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137)}{مَشَارِقَ} {وَمَغَارِبَهَا} {بَارَكْنَا} {ا إِسْرَآئِيلَ} {كَلِمَةُ}(137)- فَأَوْرَثَ اللهُ تَعَالَى بَنِي إِسْرَائِيلَ (وَهُمْ الذِينَ كَانُوا مُسْتَضْعَفِينَ، يَتَحَكَّمُ فِيهِمْ فِرْعَوْنُ بِجَوْرِهِ وَطُغْيَانِهِ) مَشَارِقَ الأَرْضِ المُقَدَّسَةِ وَمَغارِبِهَا، وَهِيَ فِلَسْطِينُ، التِي بَارَكَ اللهُ فِيهَا بِالخَصْبِ وَالخَيْرِ الكَثِيرِ. وَهَكَذا نَفَذَتْ كَلِمَة اللهِ الحُسْنَى تَامةً، وَجَازَاهُمْ عَلَى صَبْرِهِمْ، وَدَمَّرَ المَبَانِي، وَخَرَّبَ المَزَارِعَ التِي كَانَ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ قَدْ أَقَامُوهَا، وَاسْتَصْلَحُوها وَعَرَشُوهَا..تفسير الآية رقم (138): {وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)}{جَاوَزْنَا} {ا إِسْرَآئِيلَ} {ياموسى} {آلِهَةٌ}(138)- وَبَعْدَ أَنْ جَاوَزَ مُوسَى بِقَوْمِهِ البَحْرَ، بِعَوْنِ اللهِ وَتَأَيِيدِهِ مَرُّوا أَثْنَاءَ سَيْرِهِمْ بِقَوْمٍ يَعْبُدُونَ أَصْنَاماً (وَقِيلَ إِنَّها كَانَتْ عَلَى صُورَةِ البَقَرِ)، فَرَاقَتْ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ لِلْجَهَلَةِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالُوا لِمُوسَى: اصْنَعْ لَنَا آلهةً مِثْلَ آلِهَتِهِمْ. فَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: إِنَّهُمْ قَوْمٌ يَجْهَلُونَ عَظَمَةَ اللهِ وَجَلالَهُ، وَمَا يَجِب لِذَاتِهِ الكَرِيمَةِ مِنَ التَّنْزِيهِ عَنِ الشَّرِيكَ وَعَنِ المُمَاثِلِ..تفسير الآية رقم (139): {إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139)}{وَبَاطِلٌ}(139)- وَقَالَ لَهُمْ مُوسَى: إِنَّ هَؤُلاءِ الذِينَ يَعْبُدُونَ الأَصْنَامَ مَقْضِيٌّ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ بِالتَّبَابِ بِمَا سَيَظْهَرُ مِنْ التّوحِيدِ الحَقِّ فِي هذِهِ الدَّيَارِ، وَزَائِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَهُ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ (مُتَبَّرٌ)..تفسير الآية رقم (140): {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140)}{العالمين}(140)- قَالَ لَهُمْ مُوسَى: إِنَّ الله أَكْرَمَكُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْكُمْ، وَفَضَّلَكُمْ عَلَى العَالَمِينَ، وَأَرَاكُمُ المُعْجِزَاتِ الكَثِيرَةَ، فَكَيْفَ تُرِيدُونَنِي أَنْ أَبْحَثَ لَكُمْ عَنْ إِلهٍ غَيْرِهِ؟ وَهُوَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ؟ إِنَّ هذا لا يُمكِنُ أَنْ يَكُونَ أَبَداً..تفسير الآية رقم (141): {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)}{أَنْجَيْنَاكُمْ} {آلِ}(141)- وَاذْكُرُوا، يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذْ أَنْجَاكُمُ اللهُ تَعَالَى،- بِإِرْسَالِ مُوسَى إِلَيْكُمْ، وَبِمَا أَيَّدَهُ رَبُّهُ بِهِ مْنَ الآيَاتِ- مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ الذِينَ كَانُوا يُرْهِقُونَكُمْ بِالعَذَابِ، وَسُوءِ المُعَامَلَةِ، فَيَقْتُلُونَ الذُّكُورَ مِنْ أَبْنَائِكُمْ، وَيَسْتَبْقُونَ الإِنَاثَ زِيَادَةً فِي التَّنْكِيلِ وَالإِذْلالِ، وَذلِكَ بلاءٌ عَطِيمٌ، ابتَلاكُمْ بِهِ اللهُ..تفسير الآية رقم (142): {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142)}{وَوَاعَدْنَا} {ثَلاثِينَ} {وَأَتْمَمْنَاهَا} {مِيقَاتُ} {هَارُونَ}(142)- يَمْتَنُّ اللهُ تَعَالَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا هَدَاهُمْ إِلَيْهِ، إِذْ كَلَّمَ مُوسَى، وَنَزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاةَ، وَفِيهَا أَحْكَامُهُمْ، وَتَفَاصِيلُ شَرْعِهِمْ، فَذَكَرَ أَنَّهُ وَاعدَ مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً فَصَامَهَا وَطَوَاهَا، فَلَمَّا تَمَّ المِيقَاتُ، أَمَرَهُ اللهُ بِأَنْ يُكْمِلَ الصِّيَامَ بِزِيَادَةِ عَشْرِ لَيَالٍ أُخَرَ فَصَامَهَا. وَلَمَّا أَرَادَ مُوسَى الذَّهَابَ إلى مِيقَاتِ رَبِّهِ، اسْتَخْلَفَ أَخَاهُ هَارُونَ مَكَانَهُ لِيَتَوَلَّى رِئَاسَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالإِصْلاحِ وَعَملِ الخَيْرِ، وَبِعَدَمِ اتِّبَاعِ طَرِيقِ المُفْسِدِينَ..تفسير الآية رقم (143): {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)}{لِمِيقَاتِنَا} {تَرَانِي} {سُبْحَانَكَ}(143)- فَلَمّا جَاءَ مُوسَى لِلْمَوعِدِ (المِيقَاتِ) الذِي وَقَّتَهُ اللهُ لَهُ لِلْكَلامِ مَعَهُ، وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، اسْتَشْرَفَتْ نَفْسُ مُوسَى أَنْ يَجْتَمِعَ لَهُ فَضِيلَتَا الكَلامِ، وَرُؤْيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَقَالَ رَبِّ مَكِنِّي مِنْ رُؤْيَتِكَ. فَقَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ: إِنَّ ذلِكَ لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ، وَانْظُرْ إلى الجَبَلِ، فَسَأَتَجَلَّى لَهُ وَأَطْهَرُ، فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ، وَلَمْ يَنْدَكَّ وَيَتَهَدَّمْ، فَيُمْكِنُكَ أَنْ تَرانِي. فَلَمَّا تَجَلَّى اللهُ تَعَالَى لِلْجَبَلِ سَوّاهُ بِالأَرْضِ وَأَصْبَحَ تُراباً _جَعَلَهُ دَكّاً، وَوَقَعَ مُوسَى مَغْشِياً عَليهِ مِنْ هَوْلِ مَا رَأى، فَلَمَّا أَفَاقَ اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ، وَأَعْلَنَ تَوْبَتَهُ مِمَّا كَانَ مِنْهُ مِنْ سُؤالٍ، وَسَبّحَ بِحَمْدِ رَبِّهِ وَنَزَّهَهُ عَمَّا لا يَلِيقُ بِجَلالِهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ أَوّلُ المُؤْمِنينَ، فِي زَمَانِهِ، بِاللهِ وَجَلالِهِ وَعَظَمَتِهِ..تفسير الآية رقم (144): {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144)}{ياموسى} {بِرِسَالاتِي} {وَبِكَلامِي} {آتَيْتُكَ} {الشاكرين}(144)- فَخَاطَبَ اللهُ تَعَالَى مُوسَى، عَلَيهِ السَّلامِ، وَقَالَ لَهُ: إنّي اخْتَرْتُكَ وَاصْطَفَيْتُكَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ زَمَانِكَ بِأَنْ كَلَّمْتُكَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، وَلَمْ أُوحِ إِليكَ وَحْياً بِواسِطَةِ مَلَكٍ، وَبِأَنْ جَعَلْتُكَ مُرْسلاً، فَتَمَسَّكْ بِالتَّوراةِ التِي آتَيْتُكَ إِيّاهَا، وَاعْمَلَ بِمَا جَاءَ فِيها مِنَ الأَحْكَامِ وَالشَّرَائِعِ، وَاشْكُرْ نِعْمَتِي، عَلَيكَ وَعَلَى قَوْمِكَ، بِإِقَامَةِ التَّوراةِ وَالأَحْكَامِ، بِقُوّةٍ وَعَزْمٍ، وَبِالعَمَلِ بِهَا..تفسير الآية رقم (145): {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)}{سَأُوْرِيكُمْ} {الفاسقين}(145)- يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَعْطَى مُوسَى أَلْوَاحاً كَتَبَ فِيهَا أَنْوَاعُ الهِدَايَةِ وَالمَواعِظِ، وَأَحْكَاماً مُفَصَّلةً تُبَيِّنُ الحَلالَ وَالحَرَامَ (وَقِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الأَلْوَاحَ كَانَتْ تَشْتَمِلُ عَلَى التَّوْرَاةِ) وَأَمَرَهُ اللهُ بِأَنْ يَأْخُذَ بِهَا بِعَزْمٍ عَلَى الطَّاعَةِ، وَأَنْ يَأْمُرَ قَوْمَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنْ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِ مَا فِيهَا: كَالإِخْلاصِ فِي العِبَادَةِ، وَبِالعَفْوِ بَدَلَ القِصَاصِ. أمَّا الفَاسِقُونَ الذِينَ يُخَالِفُونَ أَمْرَ اللهِ، وَيَخْرُجُونَ عَنْ طَاعَتِهِ، فَإِنَّهُمْ سَيَصِيرُونَ إلَى الهَلاكِ، وَالدَّمَارِ، وَسَيَرَى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فِي أَسْفَارِهِمْ، دِيَارَ الأُمَمِ الفَاسِقَةِ السَّالِفَةِ، وَمَا صَارَتْ إِلَيهِ مِنْ خَرابٍ، لِيَعْتَبِرُوا بِمَا أَصَابَ غَيْرَهُمْ..تفسير الآية رقم (146): {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146)}{آيَاتِي} {آيَةٍ} {بِآيَاتِنَا} {غَافِلِينَ}(146)- سَأَصْرِفُ عَنِ الهِدَايَةِ قُلُوبَ الذِينَ يَتَكَبَّرُونَ عَنْ طَاعَتِي، وَيَتَكَبَّرُونَ عَلَى النَّاسِ بِغَيرِ الحَقِّ، وَإِذا رَأَوْا آيَاتِ اللهِ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا، وَإِذَا رَأَوا طَرِيقَ الخَيْرِ تَنَكَّبُوا عَنْهُ، وَلَمْ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلا، وَإِذَا رَأَوْ سَبِيلَ الضَّلالِ اتَّبَعُوهُ، وَقَدْ جَازَاهُمُ اللهُ تَعَالَى هَذا الجَزَاءَ لأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ، وَاغَفَلُوا عَنْهَا، فَأَضَلّهُمُ اللهُ، وَلَمْ يَهْدِهِمْ. فَكَمَا اسْتَكْبَرُوا بِغَيرِ الحَقِّ فَإِنَّ اللهَ عَاقَبَهُمْ بِالإِذْلالِ وَبِالخَتْمِ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَبِإلْقَاءِ الغِشَاوَةِ عَلَى أَعْيُنِهِمْ حَتَّى لا يَجِدَ الحَقُّ مَنْفَذاً لِلْوُصُولِ إِلَيْهَا..تفسير الآية رقم (147): {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)}{بِآيَاتِنَا} {الآخرة} {أَعْمَالُهُمْ}(147)- وَالذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ، وَكُتُبِهِ، المُنَزَّلَةِ بِالحَقِّ وَالهُدَى، عَلَى رُسُلِهِ، فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهَا، وَلَمْ يَهْتَدُوا، وَكَذَّبُوا بِمَا يَكُونُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الجَزَاءِ عَلَى الأَعْمَالِ: مِنْ ثَوَابٍ عَلَى الخَيْرِ، وَعِقَابٍ عَلَى الشَّرِّ.. فَإِنَّ أَعْمَالَهُمْ تَهْلَكُ وَتَتَلاشَى وَتَذْهَبُ سُدًى (تَحْبَطُ)، لأَنَّهُمْ عَمِلُوا لِغَيْرِ اللهِ، وَأَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ فِي غَيْرِ مَا يُرْضِي اللهَ، فَتَصِيرُ أَعْمَالُهُمْ وَبَالاً عَلَيْهِمْ، وَلا يُجْزَوْنَ إلا عَلَى الأَعْمَالِ التِي قَامُوا بِهَا مِنَ الكُفْرِ وَالمَعَاصِي، وَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ اللهِ بِأَنْ جَعَلَ الجَزَاءَ فِي الآخِرَةِ أَثَراً لِلْعَمَلِ فِي الدُّنْيا، وَلا يَظْلِمُ اللهُ تَعَالَى أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ أَبَداً..تفسير الآية رقم (148): {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)}{ظَالِمِينَ}(148)- وَبَعْدَ أَنْ تَوَجَّهَ مُوسَى لِمِيقَاتِ رَبِّهِ، فَتَنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ سَامِريٌّ، خَرَجَ مَعَهُمْ مِنْ مِصْرَ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ قَوْمُهُ يَعْبُدُونَ البَقَرَ، فَزَيَّنَ السَّامِرِيُّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ عِبَادَةَ العِجْلِ، فَصَنَعَ لَهُمْ تِمْثَالاً عَلَى صُورَةِ عِجْلٍ مِنَ الحُلِيِّ التِي أَخْرَجُوهَا مَعَهُمْ مِنْ مِصْرَ (وَهِيَ حُلِيٌّ كَانُوا اسْتَعَارُوهَا مِنَ القِبْطِ وَهَرَبُوا بِهَا)، وَكَانَ هذَا التِّمْثَالُ إِذَا هَبّتِ الرِّيحُ دَخَلَتْ فِي جَوْفِهِ وَصَدَرَ عَنْ مُرُورِهَا صَوْتٌ كَخُوارِ البَقَرِ، فَافْتَتَنَ بَنُوا إِسْرَائِيلَ بِهذا العِجْلِ، وَعَكَفُوا عَلَى عِبَادَتِهِ وَالطَّوافِ بِهِ.وَيُوَبِّخُهُمُ اللهُ تَعَالَى عَلَى اتِّخَاذِهِمُ العِجْلَ رَبّاً، وَيَسْتَسْخِفُ تَصَرُّفَاتِهِمْ هذِهِ، لأَنَّهُمْ اتَّخَذُوا إِلهاً لَهُمْ عِجْلاً لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يُرِشِدُهُمْ إلى جَنَّةٍ، وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً، وَتَرَكُوا عِبَادَةِ اللهِ، خَالِقِ السَّماواتِ والأَرضِ، الذي أَنْجَاهُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَقَدْ فَعَلُوا ذلِكَ وَهُمْ ظَالِمُونَ لأَنْفُسِهِمْ..تفسير الآية رقم (149): {وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (149)}{لَئِن} {الخاسرين}(149)- ثُمَّ نَدِمُوا عَلَى مَا فَعَلُوا (سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ)، وَعَرَفُوا أَنَّهُمْ ضَلُّوا عن الهُدَى، فَقَالُوا مُنِيبِينَ إِلى اللهِ: إِنَّهُمْ إِذا لَمْ يَرْحَمْهُمْ رَبُّهُمْ، وَيَغْفِرْ لَهُمْ مَا ارْتَكَبُوهُ مِنْ ظُلْمٍ، بِاتِّخَاذِهِم العِجْلَ رَبّاً، ليَكُونُنَّ مِنَ الهَالِكِينَ..تفسير الآية رقم (150): {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150)}{غَضْبَانَ} {الظالمين}(150)- أَعْلَمَ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ عَلَيهِ السَّلامُ، بِمَا فَعَلَهُ قَوْمُهُ مِنْ عِبَادَتِهِم العِجْلَ بَعْدَ ذَهَابِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ غَضْبَانَ حَزيناً، وَقَالَ لَهُمْ بِئْسَ مَا فَعَلْتُمُوهُ فِي غَيْبَتِي بَعْدَ ذَهَابِي عَنْكُمْ إلى مُنَاجَاةِ رَبِّي، وَقَدْ كُنْتُ عَلَّمْتُكُمُ التَّوْحِيدَ، وَكَفَفْتُكُمْ عَنِ الشِّرْكِ، وَكَانَ مِنْ وَاجِبِكُمْ أَنْ تَقْتَفُوا أَثَرِي، وَتَسِيرُوا بِسيرَتي، فَفَعَلْتُمْ غَيْرَ ذلِكَ، وَاتَّخَذْتُمْ صَنَماً، وَعَبَدَهُ بَعْضُكُمْ، وَلَمْ يَرْدَعْكُمُ الآخَرُونَ عَنْ ذلِكَ. فَهَلْ اسْتَعْجَلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ، وَهُوَ انْتِظَارُ عَوْدَتِي وَأَنْتُمْ حَافِظُونَ لِعَهْدِي وَمَا وَصَّيْتُكُمْ بِهِ؟ فَبَنَيْتُمُ الأَمْرَ عَلَى أَنَّ المِيعَادَ قَد بَلَغَ آخِرَهُ وَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكُمْ، فَحَدَّثتكُمْ أَنْفُسُكُمْ بِأَنَّنِي مِتُّ، فَغَيَّرْتُمْ كَمَا غَيَّرَتِ الأُمَمُ بَعْدَ أَنْبِيَائِهِمْ؟(وَيُرْوَى أَنَّ السَّامِرِيَّ قَالَ لَهُمْ: هذا إلهُكُمْ وَإِلهُ مُوسَى، إِنَّ مُوسَى مَاتَ وَلَنْ يَرْجِعَ).فَأَلْقَى مُوسَى الأَلْوَاحَ، وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ هارُونَ يَجرُّهُ إِليهِ، مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ قَدْ تَهَاوَنَ فِي نَهْيِهِمْ عَنِ اتِّخَاذِ العِجْلِ، فَقَالَ لَهُ هَارُونُ: يَا أَخِي يَا ابْنَ أُمِّي، لا تُعَنِّفْنِي، وَلا تَشُدَّ لِحيَتِي وَرَأْسِي- كَمَا جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرى-، فَإِنَّ القَوْمَ قَدِ اسْتَضْعَفُونِي، وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي لَمَّا نَهَيْتُهُمْ، فَلا تَصُبَّ نِقْمَتَكَ عَلَيَّ فَتُشْمِتَ بِيَ الأَعْدَاءَ، وَلا تَعَامِلْنِي مُعَامَلَةَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ الذِينَ اتَّخَذُوا العِجْلَ إِلهاً.
|